خدماتنا

المدونة

المسؤولية المدنية لشركة المعلومات الائتمانية وفق القانون رقم 9 لسنة 2019 في شأن تبادل المعلومات الائتمانية

المسؤولية المدنية لشركة المعلومات الائتمانية وفق القانون رقم 9 لسنة 2019 في شأن تبادل المعلومات الائتمانية

المسؤولية المدنية لشركة المعلومات الائتمانية وفق القانون رقم 9 لسنة 2019 في شأن تبادل المعلومات الائتمانية

إن العديد من الذين ناقشوا الأزمة المالية من رجال الاقتصاد والقانون، رأوا أن سبب الأزمة المالية في الفترة ما بين عامَي 2007-2009، يكمن في الفشل في إدارة المخاطر من قبل المؤسسات الائتمانية، واستخدام أساليب اقراض غير مدروسة؛ نتيجة سوء تقييم وإدارة الائتمان من قبل وكالات التصنيف الائتماني Credit Rating Agencies.

وفي دولة الكويت، تفاقمت ظاهرة الائتمان في السنوات الأخيرة بشكل كبير، حيث بلغ عدد المقترضين في دولة  الكويت  739.450 مقترضاً في عام 2018 ، إلا أن بعض الفئات مازالت تواجه في الواقع العملي إشكالية عدم الحصول على الائتمان؛ وذلك بسبب عدم قدرتهم على توفير البيانات والمعلومات اللازمة التي لبيان وضعهم المالي للمؤسسات مانحة الائتمان، حتى تتمكن هذه الأخيرة من التحكم في مخاطر الائتمان؛ إذ أن عدم وجود قاعدة بيانات موحدة للعملاء، سوف يؤدي إلى امتناع المؤسسات المالية عن منح الائتمان للعديد من أفراد المجتمع؛ لعدم قدرتها على معرفة الجدارة الائتمانية لطالب الائتمان.

 ولتفادي هذه المشكلة، خطى المشرع الكويتي خطوة جادة نحو ضمان جودة الائتمان، وذلك بإصدار القانون رقم 9 لسنة 2019 في شأن تبادل المعلومات الائتمانية، الذي نص على إنشاء شركة تختص بجمع  وتحليل المعلومات الائتمانية تسمى بشركة المعلومات الائتمانية، لإعداد سجل ائتماني وإصدار تقارير  لمقدمي الائتمان عن العملاء الذين يرغبون في الحصول على الائتمان والتسهيلات المالية، والتي سيكون لها بالغ الأثر في اتخاذ قرار منح الائتمان من عدمه، عند تقديم العملاء لطلب الحصول على الائتمان؛ لأنه سوف يكفل التعرف على قدرة العميل المالية، وهذا يمكّن المؤسسات المالية على تقييم درجة المخاطر التي ستصاحب كل عميل.

بيد أن الإشكالية تكمن في أن المشرع الكويتي في القانون الجديد، لم يتناول المسؤولية المدنية لشركة المعلومات الائتمانية سواء العقدية أو التقصيرية، تاركا إياها لأحكام القواعد العامة للمسؤولية سواء أكان ذلك في قانون الشركات التجارية أو القانون المدني، والتي نعتقد عدم ملائمتها للطبيعة الخاصة لشركة المعلومات الائتمانية.

بداية ومن منظور المسؤولية العقدية لشركة المعلومات الائتمانية، نجد أن قانون تبادل المعلومات الائتمانية الكويتي لم يعرض لمظاهر المسؤولية العقدية لشركة المعلومات الائتمانية، سوى ما ورد من واجباب عامة في المادة 10 منه دون أن ينص على مخالفتها لبعض الواجبات الخاصة التي تقتضيها طبيعة نشاطها؛  ولفهم ذلك،  نجد أن من الأسباب الخاصة التي قد تثير هذه المسؤولية و لم يعرض لها القانون الكويتي، هي مشكلة تعارض المصالح بين وكالة التصنيف الائتماني والمؤسسة المالية التي تدفع مبالغ ضخمة لهذه الوكالات للحصول على التصنيف الائتماني، فوكالة التصنيف قد تصدر تصنيفًا عاليًا لا يتسم بالدقة والموضوعية للمستثمرين والجهات التي تتعاقد معها؛ وذلك بسبب المبالغ الكبيرة التي يدفعها مُصدِّرو الديون لوكالة التصنيف الائتماني، أو أن تمنح تصنيفًا منخفضًا غير عادل Unfair Rating حتى تجبر المستعلَم عنه لدفع مبلغ كبير عند التعاقد معه؛ بمعنى أن وكالة التصنيف قد تفضل مصلحتها المالية على مصلحة العميل، التي يجب يتسم فيها التصنيف بالدقة والموضوعية، لاتخاذ القرار الاستثماري الصحيح.

ولتفادي قيام المسؤولية العَقْدية، تقوم شركات المعلومات الائتمانية – أحيانا - بتضمين عقودها شروطا تنص صراحةً على الاعفاء من المسؤولية، وقد تناولت بعض القوانين المقارنة مظاهر تحديد المسؤولية كليا أو جزئيا؛ إذ نصت المادة 35 من قانون تنظيم وكالات التصنيف الائتماني الموحد الصادر عن الاتحاد الأوروبي على جواز تحديد مسؤولية وكالة التصنيف الائتماني إذا كان هذا التحديد معقولًا ومتناسبًا Reasonable and Proportions ، وكان القانون الوطني لدول الأعضاء يسمح بذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع القانون الذي قدمته المفوضية الأوربية قد حظر الاتفاق -مقدمًا- على تحديد المسؤولية أو الإعفاء منها؛ وذلك لتوفير المزيد من الحماية للمستثمرين، الذي قد لا يتمتعون بقوة تفاوضية عند التعاقد مع وكالات التصنيف الائتماني.

وفي المملكة المتحدة، أصدرت بريطانيا قانون خاص ينظم المسؤولية المدنية لوكالات التصنيف الائتماني في عام 2013 " The Credit Rating Agencies (Civil Liability) Regulations 2013"، وقد نصت المادة 9 منه صراحة على جواز الاتفاق على تحديد مسؤولية وكالة التصنيف الائتماني. وما يميز القانون البريطاني أنه القانون الوحيد الذي تناول بالتفصيل ضوابط تحديد المسؤولية التي يجب أن تكون معقولة ومناسبة، حيث تضمَّن القانون البريطاني عدة معاييرَ يجب الالتزام بها إعمالا لنص المادة 12 من القانون المذكور، أهمها أن يكون تحديد المسؤولية العَقْدية لوكالة التصنيف الائتمانية بناءً على مفاوضات بين وكالة التصنيف الائتماني والمستثمر؛ وأن يتعلق اتفاق تحديد المسؤولية بالخسائر التي لا يمكن لأي وكالة للتصنيف الائتماني أن تؤمن عليها على نحو معقول وأساس تجاري حصيف؛ وأن يتعلق اتفاق تحديد المسؤولية عن الخسائر التي لم يكن بوسع وكالة التصنيف الائتماني أن تتوقعها على نحو معقول وفق المصادر المتاحة لديها عند اعتمادها للتصنيف الائتماني.

بالمقابل من ذلك، من المعلوم أنه وعلى خلاف المسؤولية العقدية التي تقوم على أساس عقد صحيح، تنهض المسؤولية التقصيرية لشركة المعلومات الائتمانية في مواجهة العميل أو المستعلم عندما يكون الخطأ غير عقدي، والمبدأ العام أنه لا يجوز الجمع أو الخيرة بين المسؤوليتين، فمتى تحقق الضرر نتيجة الخطأ وتوافرت شروط المسؤوليتين، فإن المضرور ليس مخيرا ولا يستطيع الجمع بينهما، بل يجب عليه الرجوع على محدث الضرر على أساس المسؤولية العقدية دون التقصيرية.

ومن الأخطاء التي تقع فيها شركة المعلومات الائتمانية، والتي لم ينص عليها قانون تبادل المعلومات الائتمانية الكويتي الجديد، صدور سلوك مخادع مخالف للحقيقة وللوضع الائتماني من شركة المعلومات الائتمانية تجاه مقدمي الائتمان عند نشرها للتصنيف الائتماني، فبدلا من أن يعكس التقرير الائتماني للشركة الوضع الحقيقي للعميل، تقوم الشركة بإصدار تقرير ائتماني يحتوي على معلومات كاذبة ومخالفة دون أن يكون له أساس منطقي ومعقول، أو أن تقوم شركة المعلومات الائتمانية بإصدار تصنيف ائتماني خاطئ ومعيب لا يعكس المخاطر الائتمانية المتعلقة بدينٍ أو قرضٍ معينٍ سابق للعميل، وذلك بسبب عدم التبصر والاحتياط عند قيامها بإعداد التقرير الائتماني.

أما بالنسبة لمعيارا درجة الخطأ الذي ستنهض به مسؤولية وكالات التصنيف الائتماني، نجد أن القانون الأوروبي حدد معيارا لدرجة الخطأ الذي تنهض به المسؤولية، وفي ذلك تنص المادة 35/أ على: "إذا ارتكبـت وكالـة التصنيـف الائتماني عـن قصـد أو بإهمال جسـيم أيًا مـن المخالفـات الـواردة فـي المرفـق الثالـث مـن هـذه المـادة، بحيـث يكـون لهـا تأثير فـي التصنيـف الائتماني، فــإن المســتثمر أو المدعــي يحــق لــه رفــع دعــوى المطالبــة بالتعويــض على وكالــة التصنيــف الائتماني للأضـرار التـي لحقـت بـه والتـي تعـود لخطأ الوكالـة.

وفي حين اتجه القانون المقارن نحو تعزيز تبني قواعد خاصة تحكم المسؤولية التقصيرية لوكالات التصنيف الائتماني، لم ينص قانون تبادل المعلومات الائتمانية الكويتي الجديد على قواعد خاصة واضحة تحكم أساس المسؤولية التقصيرية تجاه شركة المعلومات الائتمانية. ومن جانبنا، نعتقد أن  إعمال نص المادة 227 من القانون المدني الكويتي وإن كان يسعفنا – في كثير من الأحيان - في قيام المسؤولية ، إلا أنه ليس كافيا نظرا لطبيعة آلية عمل شركة المعلومات الائتمانية؛ إذ أن هذه الشركة تعتمد على البيانات والمعلومات التي يزودها بها مقدم البيانات وفقا للمادة الخامسة من قانون تبادل المعلومات الائتمانية الكويتي، فإذا قدم الأخير للشركة بيانات ومعلومات غير صحيحة أو ناقصة أو مضللة، وكانت هذه الشركة قد اعتمدت عليها عند إصدار التقرير أو التصنيف الائتماني، فإن الخطأ سوف ينتفي من جانب الشركة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، أدخل الكونغرس الأمريكي عام 2006 عدة تعديلات على بعض النصوص الحاكمة لوكالات التصنيف الائتماني وفق  قانون سوق الأوراق المالية Securities Exchange Act 1934  والتي عرفت بالـــ P.L 109-291, The Credit Rating Agency Reform Act of 2006 ، إلا أن هذا التعديلات لم تغير في الشروط التي يجب أن يثبتها المدعي في دعوى التعويض التي يرفعها تجاه وكالة التصنيف الائتماني وفق المادة Rule 10b-5 من قانون سوق الأوراق المالية Securities Exchange Act 1934، والتي تشترط أن يثبت المدعي أن وكالة التصنيف الائتماني قد قامت بشكل متعمد بالتحايل والتلاعب أثناء تقييم الأوراق المالية، أو أنها لم تقم عمدًا بالإفصاح عن معلومات جوهرية أثناء تقييم الأوراق المالية لمصدري الديون، وهذا ما سوف يؤدي إلى صعوبة قيام مسؤولية وكالة التصنيف الائتماني عن أخطائها.

إلا أنه بعد الكارثة التي أحدثتها الأزمة المالية العالمية عام 2008، قام المشرع الأمريكي في عام 2010 بإصدار قانون (The Dodd-Frank Wall Street Reform and Consumer Protection Act of 2010(Dodd-Frank-Act)، استهدف فيه تعديل عدة نصوص من قانون سوق الأوراق المالية Securities Exchange Act 1934  ذات الصلة بوكالات التصنيف الائتماني، أهمها المادة Rule 10b-5، التي كانت حجر عثرة في سبيل قيام المسؤولية الخطئية لوكالات التصنيف؛ إذ صار المدعي مطالَبًا فقط بإثبات العلاقة السببية بين خطأ وكالة التصنيف الائتماني - المتمثل في أنها لم تقم عمدًا أو إهمالًا بالقيام بمراجعة معقولة Reasonable Verification للأوراق المالية التي تقيمها - والضرر الذي لحق به.

وفي الختام ، نوصي المشرع الكويتي بإدخال بعض التعديلات على قانون تبادل المعلومات الائتمانية، أهمها النص صراحة على وجوب إبرام مقدم الائتمان عقدًا -عقد الاستعلام الائتماني - مع شركة المعلومات الائتمانية، وعدم الاكتفاء بالطلب، تعديل قانون تبادل المعلومات الائتمانية، وذلك بالنص صراحة على قائمة بالأخطاء تكون على سبيل الحصر والتي قد يترتب على مخالفتها عقد المسؤولية التقصيرية لشركة المعلومات الائتمانية، ولزوم تعديل قانون تبادل المعلومات الائتمانية الكويتي، وذلك بتضمينه آلية تمكن شركة المعلومات الائتمانية من مراجعة صحة ودقة البيانات المقدمة إليها من العملاء.

 د. فهد نعمه الشريفي الشمري

أستاذ القانون التجاري بجامعة الكويت

الاكثر قراءة ..

من نحن

mmd

سار SAR هو مكتب مرخص قانونا لمزاولة مهنة المحاماة والاستشارات القانونية والتمثيل القضائي والذي يقدم خدماته القانونية للعملاء في الكويت وخارجها. تأسس مكتب سار SAR لتقديم خدمات قانونية مبتكرة على قدر من الجودة في قطاع القضايا التجارية و الجنائية

للأتصال بنا

للتواصل معنا :

0096596999872 - 0096522331988

0096550068375

info@sarlawfirm.com