سار SAR هو مكتب مرخص قانونا لمزاولة مهنة المحاماة والاستشارات القانونية والتمثيل القضائي والذي يقدم خدماته القانونية للعملاء في الكويت وخارجها. تأسس مكتب سار SAR لتقديم خدمات قانونية مبتكرة على قدر من الجودة في قطاع القضايا التجارية و الجنائية
إجراء إعادة الهيكلة وفق قانون الإفلاس الكويتي الجديد رقم 71 لسنة 2020
إجراء إعادة الهيكلة وفق قانون الإفلاس الكويتي الجديد رقم 71 لسنة 2020
المحامي الدكتور فهد الشمري
أستاذ القانون التجاري المشارك بجامعة الكويت
شهدت قوانين الإفلاس حول العالم تطوُّرًا في طريقة تنظيمها لمعالجة اضطراب المركز المالي للمدين، سواء كان فردًا، أو شركةً؛ في محاولةٍ منها لإنقاذ النشاط التجاري بصفةٍ عامةٍ "Corporate Rescue"، فراعت حُسنَ نيةِ المدينِ، كما حاولت مساعدته للنهوض من شِدَّته، ومحنته بدلًا من تصفية أعماله التجارية؛ وذلك لأن الاقتصاد الناجح يتطلب إعطاءَ المدين الذي يضطرب مركزه المالي فرصةً حقيقيةً وبارقةَ أملٍ جديدةٍ؛ لمعاودة القيام بنشاطه التجاري عن طريق إعادة هيكلة أعماله التجارية؛ حتى يستطيعَ أن يقوم بدوره الذي أُسس من أجله، ألا وهو تعزيز النمو الاقتصادي في المجتمع.
مواكبةً لهذا التطور؛ قام المشرع الكويتي بإصدار قانون الإفلاس الجديد بفلسفةٍ جديدةٍ، ومتطورةٍ، متبنِّيًا مجموعةً من النظريات القانونية والاقتصادية التي تركّز على إعادة تنظيم هيكلة نشاط المدين الذي يضطرب مركزه المالي، بدلًا من تسهيل الطريق إلى تصفية نشاطه التجاري، حيث إن المُشرِّع الكويتي وصل إلى درجةٍ من القناعة بضرورة إحداث نقلةٍ تشريعيةٍ جديدةٍ تحكم عمليات الإفلاس وإعادة الهيكلة؛ وذلك لخدمة التحول الاقتصادي الذي تشهده دولة الكويت في هذه الحقبة، عن طريق تفريقه بين الأعمال التجارية المتعثرة التي لديها القدرة المالية، والمقومات التي تمكِّنها من الاستمرار في أعمالها، وبين الأعمال التجارية المتعثرة ماليًا ولا تملك مقومات الاستمرار، والميؤوس منها، والتي سيؤول مصيرُها إلى الإفلاس.
تكمن الإشكالية وفق قانون الإفلاس الجديد ن في أن آلية إعادة الهيكلة وفق هذا القانون مقيدة بالعديد من الإجراءات الطويلة والقيود التي قد تؤثر من ضمان توفير فرصة عادلة لإعادة هيكلة المدين المتعثر ماليًا بآلية تراعي مصالح المدين والدائنين بذات الوقت، فبداية، وبمعاينة آلية تقديم الطلبات لمحكمة الإفلاس وفق قانون الإفلاس الكويتي الجديد، نجد أن المادة 20 من هذا القانون، والتي تناولت شروط تقديم طلبات افتتاح إجراءات التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة لمحكمة الإفلاس قد اشترطت أن يقوم المدين بتقديم العديد من البيانات، أهمها تقرير يتضمن توقعات السيولة النقدية للمدين وتوقعات الأرباح والخسائر عن فترة السنة التالية لتقديم الطلب، وبيان تفصيلي بأموال المدين والقيمة التقريبية لكل من هذه الاموال في تاريخ تقديم الطلب، وبيان أية ضمانات أو حقوق للغير تترتب عليها، وبيان ما إذا كان المدين -المقدم بشأنه طلب تسوية وقائية أو إعادة هيكلة- سيحتاج للحصول على تمويل خلال الفترة من تاريخ صدور قرار افتتاح إجراءات إعادة الهيكلة من عدمه.
وما يعيب هذا التنظيم، أن المدين قد لا يكون قادرًا على توفير هذه البيانات حتى تَبُتَّ محكمة الإفلاس بطلب إعادة الهيكلة، فعلى سبيل المثال، كيف يمكن للمدين أن يتأكد على وجه الدقة من معرفة مبلغ التمويل الذي سيحتاجه حتى يتم اعتماد خطة إعادة الهيكلة، وماهي القيمة الإجمالية المقدرة لما سيحتاجه من تمويل خلال هذه الفترة وأغراضه ومدته وضماناته ومدى تأثيره على خطة إعادة الهيكلة وعلى حقوق الدائنين المضمونة ديونهم، خصوصا أنه لم يتم حصر قائمة الدائنين عند تقديم طلب فتح اجراء إعادة الهيكلة.
وتزداد المعضلة في قانون الإفلاس الكويتي الجديد حتى بعد بدء إجراءات إعادة الهيكلة، وذلك في مسألة المدة الزمنية التي يجب أن يقوم المدين بتقديم خطة إعادة الهيكلة خلالها، قررت المادة 117 من قانون الإفلاس الكويتي الجديد أن يقوم المدين بتقديم خطة إعادة الهيكلة خلال ثلاثة شهور من الموافقة على طلب إعادة الهيكلة، مع جواز طلب تمديد هذه الفترة الي مدة مماثلة أخرى بناءً على طلب المدين أو إلى أكثر من ستة شهور إذا وافقت الأغلبية التي قررها القانون.
ومن أهم الإشكاليات القانونية وفق قانون الإفلاس الكويتي الجديد، نجد أنه قد قرر سلطةً مقيدةً لقاضي الإفلاس في صلاحية تصديقه على خطة إعادة الهيكلة في حالة رفض الدائنين لخطة إعادة الهيكلة، حيث اشترط قانون الإفلاس الكويتي الجديد أن يقدم المدين طلبًا لقاضي الإفلاس يطلب منه تصديقه على خطة إعادة الهيكلة التي رفضها الدائنون، يعني أن قاضي الإفلاس لن يستطيع من تلقاء نفسه التصديق على خطة إعادة الهيكلة التي رفضها الدائنون، وهذا ما سيُضعِف من فرصة تحقيق الهدف الرئيسي من وراء إعادة الهيكلة، ألا وهو إعطاء المدين فرصة حقيقية لإعادة هيكلة نشاطه التجاري، حيث إن المدين قد لا يُقَدم طلب التصديق على خطة إعادة الهيكلة بعد رفض الدائنين لها لأنه قد يخشى من تعنت الدائنين معه لاحقًا أثناء مرحلة تنفيذ خطة إعادة الهيكلة.
ولتفادي هذه المعضلة، ظهرت قاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية يطلق عليها “Cram Down” تستطيع محكمة الإفلاس بموجبها التصديق على خطة إعادة الهيكلة بالرغم من اعتراض الدائنين على خطة إعادة الهيكلة. وتبرر هذه القاعدة بسند من القول أنها تسعى بشكل رئيسي لضمان عدم تعنت وتعسف الدائنين بالتصديق على خطة إعادة الهيكلة؛ وذلك لأن سلطة المحكمة ليست مطلقة بالتصديق على هذه الخطة بل مقيدة بشروط وضوابط معينة، أهمُّها أن ينجح المدين بإثبات كفاءة الخطة التي قدمتها على ضوء قائمة الديون التي عليها، وأن يثبت أن الخطة التي قدمها خطة عادلة ومنصفة لجميع دائنيه، بحيث لا تحمل معها أي تمييز بين الدائنين، خصوصًا تجاه الدائنين أصحاب حقوق الأولوية مالم يكن هناك سبب يبرر هذا التمييز.
وفي سياق مواز، لقد قيد قانون الإفلاس الكويتي الجديد من قدرة المدين على القيام بعمليات إعادة الهيكلة المختلطة Pre-Pack والتفاوض مع كبار الدائنين، حيث إن آلية بدء طلبات إعادة الهيكلة وفق هذا القانون ستكون حَجَر عثرة في سبيل بدء إعادة الهيكلة، وآية ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 14 من هذا القانون قد قررت إمكانية أن يتقدم أيُّ دائن أو مجموعة من الدائنين لا يقل عددهم عن ثلاثة بتقديم طلب فتح إجراءات إعادة الهيكلة، حتى وإن لم تطلب الشركة بدء إجراءات إعادة الهيكلة، بذلك وبمجرد تقديم طلب فتح إجراءات إعادة الهيكلة من قبل الدائن أو مجموعة من الدائنين بدين عادي لا يقل عددهم عن ثلاثة دائنين، سوف تُغَلُّ يد المدين عن إمكانية إتمام إعادة الهيكلة المختلطة والتفاوض مع كبار الدائنين خارج مظلة قواعد إعادة الهيكلة التي نظمها قانون الإفلاس.
أخيرا، إن فرصة استمرار المدين في إدارة أمواله وأعماله بعد صدور قرار افتتاح إجراءات إعادة الهيكلة Debtor In Possession ليست مضمونة وفق قانون الإفلاس الكويتي الجديد، حيث أنه وفقا للمادة 101 من قانون الإفلاس الكويتي الجديد يجوز لقاضي الإفلاس بناءً على طلب إدارة الإفلاس أو الأمين أو أحد الدائنين، أن يقرر خلال خمسة أيام عمل من تاريخ تقديم الطلب، منعَ المدين أو مجلسَ إدارته أو مديريه من إدارة أمواله وأعماله. وما يعيب هذا التنظيم وفق قانون الإفلاس الكويتي، أنه حتى لو لم يصدر من المدين أي خطأ تسبب باضطراب مركزه المالي، كما في حالة الأزمات المالية التي تعصف بالأسواق العالمية، أو الأوبئة العالمية، فلن يستطيع المدين أخذ فرصة ثانية لإعادة أعماله إلى مسارها الصحيح؛ لأن قانون الإفلاس الكويتي لم يحدد أية شروط لحرمان المدين من إدارة أمواله أثناء إعادة الهيكلة.
المحامي الدكتور فهد الشمري
أستاذ القانون التجاري المشارك بجامعة الكويت