سار SAR هو مكتب مرخص قانونا لمزاولة مهنة المحاماة والاستشارات القانونية والتمثيل القضائي والذي يقدم خدماته القانونية للعملاء في الكويت وخارجها. تأسس مكتب سار SAR لتقديم خدمات قانونية مبتكرة على قدر من الجودة في قطاع القضايا التجارية و الجنائية
الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم والشريك في الشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة
الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم والشريك في الشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة
المحامي الدكتور/ فهد الشمري
أستاذ القانون التجاري بجامعة الكويت
مفهوم المسؤولية المحدودة للمساهم والشريك:
تعد المسؤولية المحدودة للشركاء والمساهمين أحد أبرز ما يميز شركات الأموال والشركات المختلطة عن شركات الأشخاص، حيث يتم تقرير مسؤولية الشركاء أو المساهمين عن ديون الشركة والتزاماتها وخسائرها في حدود وبمقدار حصته في رأسمالها دون أموالهم الخاصة، ومن ثم فإن ضمان دائني هذه الشركة يقتصر على ذمة الشركة المالية باعتبارها شخصية قانونية منفصلة Separate Legal Personality دون ذمم الشركاء فيها، لذا فلدائني الشركة الرجوع على أموال وأصول الشركة للمطالبة بحقوقهم دون أن يستطيعوا الرجوع على أموال الشركاء والمساهمين في الشركة إذا كانت الشركة غير قادرة على الوفاء بهذه الديون، وهذا المبدأ مسلم به قانونًا في غالبية النظم القانونية الحديثة ومستقر عليه في أحكام القضاء المتواترة، فإذا سدد الشريك حصته فلا يُنصَّب خصماً في مواجهة دائني الشركة وتوجه الخصومة للشركة مباشرة.
وتعد هذه الميزة الرئيسية التي تميز شركات الأموال عن الشركات التجارية الأخرى، وحجر زاوية بقوانين الشركات المعاصرة وبخاصة شركات الأموال، وترتكز هذه الميزة على فلسفة تشريعية تهدف إلى تقليص المخاطر التي تواجه المستثمرين في شركات الأموال وحماية ثرواتهم الخاصة غير المستثمرة في الأعمال التجارية من مخاطر هذه الأعمال، مما يشجع على الاستثمار وهو ما ينعكس إيجابًا على التنمية الاقتصادية، وبالمقابل تحقق المسؤولية المحدودة ميزة للشركات بتحقيق الاستقرار الاقتصادي لها من خلال ضمان الفصل بين الذمة المالية للشركة عن ذمم الشركاء فيها مما يحمي الشركة من تعرضها لأي صعوبات نتيجة تعثر أو إفلاس أحد الشركاء.
وفي محاولة للوقوف على التطور التاريخي للمسؤولية المحدودة للشركاء والمساهمين، يتضح أن تاريخ ظهورها غير واضح بشكل دقيق، إلا أن البعض يُرجع ظهورها إلى العام ١٤٤١م، بتأكيد أحد المحاكم الإنجليزية أن ديون الشركة تلتزم بها الشركة ولا تمتد إلى الشركاء، بينما يشير آخرون إلى حكم مجلس اللوردات في القضية الشهيرة Dr. Salmon v. The Hamborough Company في العام ١٦٧١م باعتباره الأساس القانوني للمسؤولية المحدودة للمساهمين في الفقه الأنجلوسكسوني.
ويُجمع غالبية الفقه القانوني على أن الاعتراف بالمسؤولية المحدودة وانتشارها قد ظهر بشكل كبير وأساسي في القرن التاسع عشر لتحفيز الأنشطة الاقتصادية والاستثمار للأفراد بشكل عام؛ ففي بريطانيا تمت مناقشة المسؤولية المحدودة لأول مرة بشكل رسمي في تقرير بيليندين كيرBellenden Ker في عام ١٨٣٧م، حيث تمت مناقشة النظام القانوني الفرنسي المنظم لشركات التوصية البسيطة Sociétés En Commandite simple والذي كان يميز بين الشريك المتضامن والشريك الموصي، وقد رفض التقرير تبني المسؤولية المحدودة للشركاء كما هي مطبقة في فرنسا آنذاك من خلال الاعتراف بالشركاء الموصون.
وكان السبب الرئيسي وراء هذا الرفض هو المخاطر المصاحبة لتبني مثل هذا الأمر على المتعاملين، وقد جاء هذا الرفض من جانب النخب التجارية على الرغم من التوجه الحكومي لتبني المسؤولية المحدودة، ويتضح ذلك بمطالعة تقرير المفوضية الملكية البريطانية حول القوانين التجارية والصادر في عام ١٨٥٤م، والذي تضمن اعتراضات من احتمالية سوء استغلال المسؤولية المحدودة بشكل يسيء للتجار، بل إن من ضمن التحفظات المثارة حول المسؤولية المحدودة الادعاء بأنها ستحد من تطبيق قوانين الإفلاس وستسمح للطبقة الوسطى والطبقة العاملة من الدخول بالنشاط التجاري حيث لن تكون أعمالهم وفقا للمسؤولية المحدودة للمساهم خاضعة لقوانين الإفلاس، إلا أنه -وفى نهاية المطاف وعلى الرغم من هذا الرفض- نجحت الحكومة الإنجليزية في عام ١٨٥٥م من إصدار قانون المسؤولية المحدودة Limited Liability Act.
ويهدف السرد التاريخي السابق لتطور المسؤولية المحدودة للشركاء والمساهمين إلى إبراز حقيقة أن نشأته لم تكن يسيرة نتيجة تخوف المشرعين والفقهاء آنذاك من الآثار السلبية التي قد تنتج عن تطبيق المسؤولية المحدودة ، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل، حيث أدى تعسف بعض الشركاء في استخدام هذا المسؤولية المحدودة إلى بروز العديد من الإشكاليات القانونية والعملية.
وللحد من الآثار السلبية لتطبيق المسؤولية المحدودة اجتهد الفقه القانوني في تطوير قاعدة قانونية جديدة تسمح -بصورة استثنائية– من التحرر من قيوده، وهو ما يعرف في الفقه القانوني المقارن بقاعدة الحد من المسؤولية المحدودة Piercing the Corporate Veil
مبررات الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم والشريك في الشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة:
تعود نشأة فكرة الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم في شركات الأموال والشريك بالشركات ذات الطبيعة المختلطة إلى اجتهادات القضاء في الأنظمة القانونية الأنجلوسكسونية، وفي مرحلة لاحقة انتقلت هذه الفكرة إلى الأنظمة القانونية اللاتينية من خلال تضمينها في قوانينها التجارية، وأصبحت إحدى المسلَّمات في القوانين المقارنة للشركات، ولقد جاءت هذه الفكرة –كما سبق وأشرنا- كاستثناء للحد من الآثار السلبية المترتبة على تطبيق المسؤولية المحدودة للمساهمين والشركاء في شركات الأموال والشركات المختلطة، وذلك بهدف الحد من حالات الاستغلال السلبي للمسؤولية المحدودة في عمليات النصب والتلاعب من قبل المساهمين أو الشركاء بالاستتار خلف الشخصية الاعتبارية للشركة.
ويعرف الفقه الغربي فكرة الحد من المسؤولية المحدودة Piercing the Corporate Veil أنها "الأداة المستخدمة لتخطي الشخصية الاعتبارية للشركة وتحميل الشركاء أو المساهمين المسؤولية الشخصية عن التزامات الشركة الناتجة عن أعمالها الضارة تجاه الغير"
وتجدر الإشارة إلى أن نطاق الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم لايزال محل خلاف؛ حيث إن التوسع فيه تطبيقها سينتج عنه تقويض للمسؤولية المحدودة، لذا فإن اللجوء إلى تفعيل هذه القاعدة يكون بصورة استثنائية وفى أضيق الحدود وكآخر وسيلة لدرء الضرر الذي أصاب الغير نتيجة أعمال الشركة.
وفي ذات الإطار فإن بعض الباحثين في مجال التحليل الاقتصادي للقانون يرون أن الأحكام القضائية الخاصة باستبعاد المسؤولية المحدودة للمساهمين قائم على تقليل التكاليف الاقتصادية المصاحبة لتطبيق المسؤولية المحدودة والذي يقدم حماية استثنائية لمساهمي الشركة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية التقصيرية لشركات الأموال والشركات ذات الطبيعة المختلطة، حيث لم تكن العلاقة قائمة على علم مفترض بين الطرفين، بمعنى آخر فإن ديون الشركات الناتجة عن علاقات تعاقدية تتم من خلال علم الدائنين برأس مال الشركة ومركزها المالي وعليه هم بمحض إرادتهم قبلوا الدخول بهذه العلاقة القائمة وهم على علم بمحدودية مسئولية الشركاء والمساهمين وذلك بخلاف ديون الشركة التي تقوم على أساس المسؤولية التقصيرية فالدائنين في هذه الحالات لم تكن علاقتهم مع الشركة رضائية.
وتجدر الإشارة إلى أنه من النادر جدًا الحصول على أحكام محاكم تقضي بأحقية الدائنين في الرجوع على المساهمين في حالة الشركات المساهمة العامة المدرجة بأسواق الأوراق المالية، ولذا ينتقد بعض الباحثين فكرة حرمان بعض المساهمين من الاستفادة من المسؤولية المحدودة، خاصة في ظل حقيقة أن مثل هذه الأحكام تعتبر استثناءات نادرة الحدوث وغير منضبطة من الناحية الموضوعية.
ووفقًا لدراسة أعدها البروفيسور روبرت تومسن حول أهم الأسباب التي ارتكزت عليها المحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية لنقض المسؤولية المحدودة للمساهمين، تبين أن حالات التضليل أو التدليس Misrepresentation كانت من أكثر الأسباب التي دفعت المحاكم لنقض المسؤولية المحدودة والسماح للدائنين بالرجوع على المساهمين بشكل مباشر.
من جانب آخر فإن الدراسة توصلت إلى أن ما يقارب ٧٣٪ من أحكام المحاكم المرتكزة على الحد من المسؤولية المحدودة كانت تتعلق بحالات كانت رؤوس أموال الشركة غير مناسبة Undercapitalization، وبنسبة أقل كنتيجة لعدم تقيد الشركاء والمساهمين بالمتطلبات القانونية الشكلية.
ومن أهم مبررات الحد من المسؤولية المحدودة أن تفعيلها في بعض الحالات يؤدى إلى تحويل المخاطر المصاحبة للنشاط التجاري إلى طرف ثالث "المتعاملين مع الشركة" في حال تعثر الشركة عن الوفاء بالتزاماتها، مع توفيره حماية للشركاء والمساهمين من ذات المخاطر، لذا فإن قواعد العدالة تقضي بضرورة تحميل الشريك أو المساهم بجزء من هذه المخاطر في حال ثبت أن عجز الشركة كان بسبب خطأ أو تدليس من جانبه.
وعلى ذات النسق، فإن الحد من المسؤولية المحدودة للمساهم والشريك، سوف يجعل من المساهمين والشركاء أكثر حذرًا، إذ إن فشل مثل هذه المشاريع قد يؤدى إلى الرجوع على ذممهم المالية الخاصة، مما قد يعرضهم للإفلاس، وهذا الأمر يؤدى إلى مزيد من الحرص والكفاءة في ممارسة المساهمين والمشاركين لأدوارهم الرقابية على مجالس إدارة الشركات، وهو ما يوفر مزيد من الحماية للغير حسَن النية المتعاملين مع الشركة، ويقلل من احتماليات تعثر وإفلاس الشركات التجارية.
الحد من المسؤولية المحدودة وفقًا للقانون الأمريكي:
تعتبر المحاكم الأمريكية سباقة في التعامل مع حالات تطبيق الحد من المسؤولية المحدودة لتقرير مسؤولية الشركاء والمساهمين، وعلى الرغم من ذلك تفاوتت قوانين الولايات الأمريكية في موقفها من تضمين نصوص في تشريعاتها لتنظيم الحد من المسؤولية المحدودة، يعترف قانون الشركات في ولاية كاليفورنيا بهذه الاستثناءات، ويقرر مسؤولية الشريك شخصيًا عن التزامات الشركة في حال ارتكابه فعل أو سلوك خاطئ، تسبب بصورة أساسية في تعثر الشركة وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
أما قانون الشركات في ولاية تكساس، فإنه يقرر إمكانية الرجوع شخصيًا على المساهم بشكل أوضح وفي حالات محددة، حيث نص على "إمكانية الرجوع شخصيًا على المساهم في حال قيامه بأي عمل يعتبر احتيالا، أدى إلى عدم قدرة الدائن على تحصيل ديونه لدى الشركة، أو إذا لم يراع الإجراءات الرئيسية المتطلبة وفق قانون الشركات، أو في حال عدم زيادة رأس مال الشركة في الحالات التي يجب زيادته، أو في حال إبرام التعاقدات وفق رأس مال غير كافٍ".
أما قانون الشركات في ولاية ديلاوير -والتي تعتبر أكثر جذبًا للشركات الأمريكية حيث ما يزيد عن ٦٠٪ من الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تأسيسها في ولاية ديلاوير- فلم يتبن قاعدة الحد من المسؤولية المحدودة، ويرجع ذلك إلى أن هذا القانون يوفر حماية غير مباشرة لدائني الشركات من خلال فصل الملكية عن الإدارة في الشركات المساهمة العامة، وإعطاء أعضاء مجلس الإدارة سلطة واسعة في إدارة الشركة مقابل تقييد سلطات الجمعية العامة للمساهمين، وعليه فإنه -ووفق هذا التنظيم- لا مجال لأن يكون المساهم قد أساء استخدام المسؤولية المحدودة لتحقيق منفعة شخصية له، حيث إنه لا يملك الإمكانية للتحكم في قرارات مجلس إدارة الشركة.
وعلى الرغم من هذا التفاوت بين قوانين الولايات، نرى أن المحاكم الأمريكية قد تمكنت بالمجمل من وضع نموذج للتعامل مع حالات الحد من المسؤولية المحدودة للمساهمين والشركاء، وتتمثل الحالات الرئيسية التي يكاد يجمع عليها الفقه وأحكام المحاكم، وجود سلوك احتيالي من قبل المساهم المسيطر ووجود علاقة السببية بين إساءة استخدام الشخصية الاعتبارية للشركة وخسارة أو ضرر المتعاملين مع الشركة.
الحد من المسؤولية المحدودة وفقًا للتشريعات العربية:
بالبحث في التشريعات والفقه والاجتهادات القضائية العربية يتضح وجود ندرة في تناول الفقه العربي لهذه المسألة، حيث وردت إشارات محدودة له في الاجتهادات الفقهية في بعض الدول العربية، فترى الدكتورة سميحة القليوبي أنه " تتميز الشركة ذات المسئولية المحدودة بتحديد مسئولية الشريك بقدر حصته في رأس المال، وهذا التحديد هو أساس تسمية هذه الشركة، ويقصد بالمسئولية المحدودة للشركاء تحملهم في التزاماتها بما قدموه من حصص فيها، دون أموالهم الخاصة ودون تضامن فيما بينهم. والشركة ذات المسئولية المحدودة في هذا الخصوص تشبه شركة التوصية البسيطة فيما يتعلق بمركز الشركاء الموصين." وتضيف كذلك " وتعتبر المسئولية المحدودة غير التضامنية المميز القوي لهذا النوع من الشركات، عن شركات الأشخاص التي يسأل فيها الشريك مسئولية شخصية تضامنية مع غيره من الشركاء عن ديون الشركة والتزاماتها. وهذه المسئولية المحدودة تقرب هذه الشركة من شركات الأموال".
وعلى المستوى القضاء العربي، ذهبت المحكمة العليا السودانية في الطعن رقم 888 لسنة 2003 إلى القول "علي سبيل الاستثناء وبحسب ضرورة الحرب أو لأجل منع الفساد، وجدت المحاكم الإنجليزية نفسها مضطرة لرفع حجاب الشركة لأجل الوصول إلى المساهم المستهدف، وهو ما يعرف بنظرية رفع الحجاب Lifting the veil، ولكن هذا أمر محدود بحدوده الأخلاقية والاقتصادية، ولايعقل تطبيق هذه النظرية بصورة معكوسة بحيث يستفيد منها المساهم؛ لأن الحجة تقوم عليه بأن الوضع قبل رفع الحجاب يستفيد منه المساهم عندما يرفع شخصية الشركة المتميزة في وجه الدائنين بحيث يتعذر عليه الوصول إلى المساهم ومطالبته بديون الشركة إلا في حدود مالم يدفعه من قيمة السهم المكتتب لصالحه."
ومن التشريعات العربية التي نظمت -صراحة- الحد من المسؤولية المحدودة هو قانون الشركات البحريني، حيث أدخل المشرع البحريني في عام ٢٠١٨ -بموجب القانون رقم (١) لسنة ٢٠١٨- تعديلا على المادة ١٨ من قانون الشركات، يحمل بموجبه عدم تطبيق قاعدة المسؤولية المحدودة للشركاء والمساهمين في الشركات المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة بشكل مطلق، فنص هذا التعديل على أن: "يكون المؤسس أو الشريك أو مالك رأس المال أو مدير الشركة أو عضو مجلس الإدارة في شركة المساهمة أو شركة المساهمة المقفلة أو الشركة ذات المسئولية المحدودة أو شركة الشخص الواحد -بحسب الأحوال- مسئولاً في جميع أمواله الخاصة عن أية أضرار تصيب الشركة أو الشركاء أو المساهمين أو الغير، في أي من الحالات الواردة في هذه المادة، ومن أهمها هذه الحالات هي إذا استغل الشريك أو المساهم الشركة لأغراض الغش أو لأغراض غير مشروعة، أو إذا تعامل الشريك أو المساهم مع أموال الشركة على أنها من أمواله الشخصية، أو إذا خالف الشريك أو المساهم أحكام القانون أو عقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساسي.